سيطِري على الرجل بذكائك لا بجمالك...


تهتمّ المرأة العصرية بشكلها أكثر من أي وقت مضى. فصورة النجمات المحليات والعالميات على صفحات المجلات وفي عالم التلفزيون والإنترنت ترَوّج للمرأة الخالية من العيوب الشكلية، وتُظهرها ناجحة ومشهورة ومتمكّنة من النواحي المادية والاجتماعية والعاطفية. تدفَع هذه الصورة كلَّ امرأة إلى التأكّد من أنّ سرّ نجاحها مهنياً وعاطفياً هو جمالها واعتناؤها بمظهرها. ولكن هل معادلة أنّ الجمال رديف النجاح والسلطة صحيحة؟

تشتكي المرأة من اختلال ميزان القوى بينها وبين الرجل، فهو أقوى جسديّاً، وبما أنّ «حجّة الأقوى هي دائماً الأفضل»، تمكّنَ عبر العصور من تعزيز موقعه اجتماعياً، واقتصادياً، وسياسياً، وقانونياً ومهنياً... ما يَدفع المرأة إلى العمل أكثر وأكثر على نيلِ إعجابه، رغم عدم اعترافها ضمنياً بذلك في معظم الأحيان.


مساعٍ هادفة
تُنفق النساء أموالاً طائلة على المساحيق والكريمات بهدف المحافظة على بشرتهنّ وشعرهنّ، وصولاً إلى حقنِ وجوههنّ بالبوتوكس وغيرها من المواد التجميلية والمحافظة على الشباب الدائم.

كما باتت أيّ عضمة ظاهرة في الأنف تشَكّل «عيباً» لا بدّ من التخلّص منه للحصول على أنف صغير دون تضاريس تُذكر، ورسمُ الحواجب وتحديدها من سمات عصرنا أيضاً. أمّا اقتناء الملابس الـ Signée فتشير إلى الطبقة الاجتماعية الرفيعة التي تنتمي إليها المرأة. فهل تحتاج المرأة إلى المساحيق والحقن والعمليات كي تنجح وتسيطر؟


حاكمات في الظلّ
بمجرّد إلقاء نظرة خاطفة على التاريخ، تُثبت أنّ جمال المرأة واعتناءَها بمظهرها وهوَسها بإخفاء عيوبها الخلقية، لم يكن الأداة الضامنة لسيطرتها وتطوّرِها، بل ذكاؤها ولسانها واستعمالها لغة الإغراء.

نساءٌ عديدات حَكمنَ أقوى وأعظم رجالات التاريخ، من قادة عسكريين ومدنيين وحكّام وأباطرة وملوك وأمراء. نساء ماكرات سيطرنَ على عقول رجالهنّ وقلوبهم، فحظينَ بالجاه والمال والمراكز والسلطة، وذاع صيتهنّ في كتبِ التاريخ والقصص الشعبية واستمرّ حتّى أيامنا هذه.

أولئك النساء لم يعتمدن على قوّة الجمال والتجميل سبيلاً للوصول إلى مبتغاهنّ، بل استخدَمن سيلاً من الطرق والأساليب التي تعتمد على الذكاء والحيلة للفوز بثقة رجالهنّ الذين كانوا قادرين على استبدالهن بسهولة تامّة بأخريات في أيّ وقت، إلّا أنّهم كانوا متمسكين بهنّ مرغمين، وعُرفت أولئك النساء بـ«المرأة القاتلة» أو الـ«Femme Fatale».


Femme Fatale
تَستخدم «المرأة القاتلة» القوّة الجنسية لتوقِعَ بالرجال، وخصوصاً النافذين منهم. وعادةً، توصَف هذه المرأة بأنها لا تشبَع جنسياً، فهي تغري الرَجل دون الاستسلام له، وغالباً ما تتّصف بالأنوثة الظاهرة على صعيد الشكل وبالإغراء.

وقد تعتمد في أساليبها الساحرة على مزيج من الأكاذيب والإكراه وتضيف إليه سحرَها وجمالها. ويمكن أن تؤدّي المرأة القاتلة دورَ الضحية العالقة في مأزق لتُحنّنَ قلبَ الرجل عليها وتُرضِخَه لرغباتها. وتُعذّب المرأة القاتلة عشيقَها في علاقة غير متوازنة، دون أن تقدّم له تأكيداً حول حقيقة مشاعرها، وتُربكه حتى يصبح عاجزاً عن اتّخاذ قرارات عقلانية.

واعتمدَ المجتمع الرجولي منذ الأزل سياسة التنبيه من خطورة المرأة، وبدأ ذلك مع شخصية «حوّاء» الغاوية التي أوقعَت بآدم ودفَعته إلى ارتكاب الخطيئة الأولى. ولطالما أظهرَ هذا المجتمع المحكوم من الرجل «حوّاء» على أنّها القاتلة، مرسّخاً فكرةَ استدراجها للرجل ودفعِه إلى اقتراف الخطيئة رضوخاً أمام إغرائها.

وبعد «حوّاء»، جسّدت شخصية سالومي في العهد الجديد ورقصتها المميتة إحدى أبرز نماذج نفوذ المرأة القاتلة، فهي طلبَت قطعَ رأس يوحنا المعمدان ثمناً لرقصِها المثير للغرائز أمام هيرودس.

أمّا كليوباترا، فحملَها طموحها وذكاؤها الفائق وإغراؤها الذي يخفي في طياته شرّها لتصبح ملكة مصر على رغم كونها مقدونية. وبسبب وفرة حيلتها في فنّ إغراء الرجال، أحكمَت كليوباترا سيطرتَها على قلب يوليوس قيصر ومارك أنطونيو، كما تزوّجَت من شقيقها الأصغر. وعُرفَت بجمالها على رغم كبَر أنفها، ما دفعَ الفيلسوف الفرنسي «باسكال» إلى القول: «لو كان أنف كليوباترا أقصرَ لكانت غيّرت وجه الأرض».

وبالإضافة إلى جمالها، كان يتمّ التغنّي بصوتها العذب وبثقافتها الواسعة. هزّت كليوباترا عرشَ روما وحقّقت ما لم تحقّقه إمرأة سواها لأنّها عرفت كيف تسَخّر جاذبيتها في سبيل أهدافها السياسية وقد أحبّها يوليوس قيصر وأنطونيو بجنون.

وعرَفت فرنسا بدورها العديدَ من النساء القاتلات اللواتي سيطرنَ على عقول أكثر الرجال سلطة ونفوذاً، ومنهنّ ماري انطوانيت التي أدارت عقلَ لويس السادس عشر وقلبَه في حكمِه مملكته، وجوزفين زوجة نابليون بونابرت التي سرقت قلبَه وهي في الثانية والثلاثين من عمرها، وهو بقيَ يعاشرها حتّى بعد طلاقِه منها وزواجه من أميرة نمساوية، لعدم تمكّنِها من إنجاب وريثٍ له.


الكلام والإغراء والحنكة
ويؤكّد سامر لـ«الجمهورية»، وهو شابٌّ في الـ 35 من عمره ويَعمل في مجال العلاقات العامة، أنّ «الرجل يَعتقد أنّه يريد امرأة جميلة وخاضعة، ما يَمنحه فرصة الاستمتاع بجمالها والاطمئنان لسيطرته عليها، إلّا أنّ ذلك يبقى مجرّد اعتقاد في خياله».

ويوضح: «إن التقى الرَجل بهذه الفتاة غالباً ما لا تَسحره رغم اقتناعه بها، وقد يَنجذب لأخرى أقلّ جمالاً فقط لأنّها أكثر هضامةً أو أكثر إغراءً أو حنكةً وذكاءً». ويضيف: «الهادئة والمهذّبة لا تعَبّي الفراغ في داخلي، ما يَجعلني أحياناً أحتفظ بها زوجة وأبحث بطريقة لا واعية عن أخرى أغرَم بها وأجعلها عشيقة».


كيف تسيطرين عليه؟
وفي حين نعيش في مجتمع ذكوريّ يسيطر فيه الرجل على المراكز الهامة مهنياً واجتماعياً وعلى الموارد المالية، يبقى إعجابه بالمرأة حاسماً لناحية تطوّرها. فهو إن لم يُعجَب بها قد لا يمنحها وظيفة، إذ إنه غالباً المدير في الشركة، وإن لم تُغرِه فلن يُغرَم بها على الصعيد العاطفي والشخصي. فإنْ كنتِ تسعين إلى جذبه وإلى لعبِ دورٍ فاعل يَمنحك السيطرة، تأكّدي أنّك لن تجديها في انعكاس صورتك في المرآة، وفي نفخِ خدودك وشفتيكِ وحسب.

فربّما تسَهّل وسائل التجميل المتاحة كسبَ ودِّه أوّلاً، إلّا أنّ سيطرتَك على تفكيره تمرّ بثقتك بنفسك وباعتمادك على ذكائك وثقافتك وكلامك المناوِر وقدرتك اللامتناهية على إغرائه.

إذاً، لا تنهوسي بأدقّ العيوب في وجهك وجسدِك اعتقاداً منك بأنّ شفتيكِ الرفيعتين أو أنفَك ذا العضمة الصغيرة أو بعض السُمنة الزائدة على أردافك أو صدرك الصغير سببٌ في عدم نجاحك في الحياة أو في عدم كسبِ إعجاب الرجل، بل راهني على ذكائك الأنثوي لتحقيق النتائج المضمونة.

تعليقات