هل يُنذر الإعتذار عن ممارسة الجنس بزوال الحبّ؟


كلمة "عذراً" بمعناها الحرفي، ليست سوى كلمة بسيطة مركّبة من أربعة أحرف، ولكنها تخبّئ في أحرفها البسيطة معاني كبيرة كفيلة بوَضع حدّ للبغض والكراهية. وغالباً ما تتطلّب المبادرة إلى الاعتذار عن الخطأ الذي اقترفناه جرأة كبيرة وبَذل مجهود، خصوصاً أنّ البعض يجد في تلك المبادرة انتقاصاً للكرامة ويفضّل الانفصال على التفوّه بكلمة "عفواً". فما هو الاعتذار إذاً؟ ولماذا يصعب علينا المبادرة الى الاعتذار؟ وهل صحيح أنّه يسهل على المرأة الاعتذار أكثر من الرجل؟ وماذا في شأن الاعتذار عن ممارسة الجنس؟ما من إنسان معصوم عن الخطأ، وهذا يعني أنّ الانسان بطبيعته البشرية غالباً ما يقترف الأخطاء بحقّه وبحقّ الآخرين. وإجمالاً، تدعوه الديانات السماوية والآداب المجتمعية إلى الاعتذار والرجوع عن الخطأ الذي اقترفه ضماناً لصدقيته ولمتانة العلاقة مهما كان نوعها وشكلها.

من جهتهم، يؤكّد خبراء العلاقات العاطفية ضرورة المبادرة إلى الاعتذار في الزواج لإنقاذه من الفشل والانهيار. وقد رأت الاختصاصية في علم النفس التربوي جويل فغالي كميد أنّ "الامتناع عن الاعتذار يهدّد الأمان، وهو إحدى الحاجات التي يبحث عنها الإنسان في حياته".

الأمان والنظرة الذاتية
وعن سبب تردّد الانسان في المبادرة إلى الاعتذار، مَيّزت كميد في حديثها إلى "الجمهورية" بين:
1 - الاعتذار على المستوى الشخصي: وهو الاعتذار الذي يمسّ صورة الانسان الشخصية النرجسية. إذ يصعب على المرء لَوم ذاته فيوجّه أصابع الاتهام الى غيره، معتبراً نفسه الأجمل والأحسن. وبالتالي، فإنّ الاعتذار يهدّد هذه الصورة الجميلة التي يرسمها الانسان عن نفسه لأنه يُجبره على الاعتراف بالخطأ الذي ارتكبه وبأنه ليس كاملاً.
2 - الاعتذار على مستوى الشخص الآخر: يهدّد الاعتذار نظرة الشخص الى ذاته «image de soi»، لأنه يضطر الى الاعتراف للآخر بأنه أهمّ منه، وبأنه يعلم أكثر منه.
إذاً الاعتذار، على رغم كونه مسيرة نحو النضوج، إلّا أنه يبقى خطوة يصعب اتّخاذها لأنها تهدّد الشعور بالأمان وتهدّد نظرة الشخص إلى ذاته.

الاعتذار... انتقاص للكرامة؟وعمّا إذا كانت المرأة تبادر الى الاعتذار أسهل من الرجل؟ قالت كميد: "ما من دراسة أظهرت بأنّ الفتاة تعتذر أكثر من الرجل أو بالعكس"، موضحةً أنّه "في مجتمعنا العربي والذكوري تبادِر المرأة الى الاعتذار، وذلك يعود الى النظرة الذكورية الفوقية التي تعتبر أنّ المرأة هي المخلوق الأضعف وأنّ حقوقها مهدورة، أمّا الرجل فلا يعتذر لأنه يرى في ذلك انتقاصاً للكرامة".
وفي هذا السياق نَبّهت كميد الى أهمية التربية "فهي تملك تأثيراً كبيراً على شخصية الفرد ونفسيته، وبالتالي تنمّي فيه حسّ الشجاعة والمسؤولية والمبادرة الى الاعتذار في حال ارتكب خطأ ما".

وميّزت بين: "الشخصية Paranoiaque التي يصعب عليها الاعتذار لأنها تعتقد أنها مظلومة دائماً، والشخصية Depressive أي التي تملك نظرة دونية لنفسها ويسهل عليها الاعتذار، إذ إنها لا تعطي أيّ قيمة لنفسها، وتبادِر الى الاعتذار من منطلق ضعفها".

رَهن 3 عواملولم تكتف كميد بذكر أنواع الشخصيات وتأثير التربية عليها، بل تطرّقت إلى عوامل الاعتذار الثلاثة، وهي: "نظرة الفرد الى العدالة، وثقته بنفسه بالإضافة الى التجارب السابقة التي عاشَها"، موضحةً أنّ "الانسان الذي يؤمن بمبدأ العدالة ويَعي المسؤوليات المترتبة عليه، يسهل عليه المبادرة الى الاعتذار".

ووجدت أنّ "الثقة بالنفس تؤدي دوراً أساسياً في هذا المضمار، فمَن يملك ثقة عالية بنفسه ويكون واعياً لنقاط ضعفه ونقاط قوته، يمكنه المبادرة الى الاعتذار بسهولة أكثر، ولن يرى في ذلك انتقاصاً للكرامة. أمّا في ما يخصّ التجارب السابقة الإيجابية، فمن شأنها أن تسهّل أيضاً عملية الاعتذار، فالانسان الذي وقع ضحية خطأ ما ثمّ تلقّى اعتذاراً، سيسهل عليه المبادرة إلى الاعتذار في حال كان هو المذنب".

... لإنقاذ الحبّتكلّمت كميد عن أهميّة هذا الموضوع في الحياة الزوجية، "فالاعتذار من الشريك الآخر يعني بطريقة غير مباشرة الاعتراف بوجود الحبّ والإيمان بالعلاقة التي جمعتهما"، مؤكّدة أنّ "الاعتذار في الحياة الزوجية هو اعتراف بأهمية العلاقة ومتانتها، وتعبير عن الإيمان بالعلاقة". وبالتالي، فإنّ هذا التصرّف لا يعتبر انتقاصاً للكرامة "طالما انه جاء في الوقت المناسب ليُنقذ علاقة متينة".

وأشارت إلى أنّ هناك ثلاثة R تضمن الاعتذار الصحيح، وهي:
1 - Regret: أي معرفتنا بالخطأ الذي ارتكبناه والندم الحقيقي عليه، وهذا ما يخوّلنا المبادرة إلى الاعتذار.
2 - Responsibility: وهو القرار بتحمّل مسؤولية ما حصل.
3 - Reparation: وهي المبادرة الى معالجة المشكلة.

وربطت العالمة النفسية الاعتذار بفكرة المسامحة، قائلة: "الأخطاء التي يصعب المبادرة الى الاعتراف بها هي الأخطاء الجوهرية، والتي يصعب مسامحتها. وهي غالباً الأخطاء المرتبطة بالخيانة أو الانتقاص من الحريّة، إلّا أنّ كبر الخطأ وصغره يختلف من شخص إلى آخر".

خطر الإعتذار عن الجنسوعندما سُئلت: متى يهدّد الاعتذار عن ممارسة الجنس الزواج؟ أجابت: "هناك نوعان من العجز: العجز الطبّي والنفسي، والعجز المتعمّد. فإذا كان أحد الشريكين يعاني عجزاً طبّياً أو نفسياً لفترة معينة، فمن الممكن معالجتهما. ولكنّ التحجّج بالعجز لعدم ممارسة الجنس يحمل مخاطر جوهرية، وقد يُنذر بزوال الحب". والسبب؟ "العلاقة الجنسية هي بمثابة حوار وصِلة وَصل بين الشريكين، وهي لغة تعبير عن الحب".
وأشارت الاختصاصية في علم النفس التربوي جويل فغالي كميد إلى أنّه "إذا اعتذر أحد الشريكين عن ممارسة الجنس مع الآخر فهذا يعني أنه ربما اختفى الحبّ الذي جمعهما، وهنا يكمن الخلل الجوهري. فالخطورة التي تهدّد الزواج ليست العلاقة الجنسية كعلاقة، وإنما ما تعنيه من حبّ".

تعليقات