الـ"French Kiss" وما تحمله


بعيداً عن "بوسة" يوضاس التي غدت رمزاً للغدر والخيانة، القبلة هي كناية عن نشاط عاطفي مشترك يتفق عليه الشخصان المعنيان به، حيث يأتي النشاط هذا وفقاً لاستراتيجية مُحكَمة من أحدهما-الرجل إجمالاً- أو عفوياً، تلقائياً وذلك طبعاً حسب الظروف المؤاتية لكليهما وحسب موقع الكاميرات التجسّسية... ولا بدّ من الإشارة الى أنّ نسبة التقبيل قد تقلَّصت بشكل ملحوظ في الأماكن المُغلقة ولا سيما في المصاعد الهابطة والصاعدة، نظراً للكاميرات المدسوسة في الزوايا المرئية منها والمخفية.بَيْد أنّ المُغرَمين سراً والمعجبين علناً فضلاً عن المنجذبَين لبعضهما البعض في المؤسسات والشركات وغيرها من الأماكن المكتظة، لا يعدمون وسيلة للإختلاء وتبادل ليس القبل وحسب... بل شتَّى أنواع البكتيريا والجراثيم والآفات التي "يزرعها" اللعاب في الفم لتنموَ وتتكاثر وتتجلَّى براعمها وتتفتَّح آفاتٍ وأمراضاً عاجلاً ام آجلاً.

فما هي البكتيريا والجراثيم المنقولة وغير المنقولة هذه؟
لمحة سريعة عنها، يليها رأي الدكتور شادي بشارة الإختصاصي في الأمراض الجرثومية.

آلاف البكتيريا
يُلقي دكتور في الرياضيات وهو شيخ طاعن في السن محاضرة، تتمحور حول الخطّين المستقيمين اللذين لا يلتقيان أبداً Parallèles. وإذ بأحد الطلاب، يطرح عليه السؤال التالي:

"في حال إلتقيا يا سيدي الدكتور، فما هو العمل؟" أجابه الشيخ الدكتور: "في حال التقيا... فلا حول ولا قوّة..." إذ حين تلتقي الشفتان وتُطبِّقان مبادئ القبل الملتهبة ولا سيَّما الفرنسية منها أيْ الـ French Kiss، فلا حول ولا قوة فعلاً... ذلك لأنّ العلماء والباحثين اكتشفوا أنّ القبلة التي تدوم 10 ثوان، تنقل آلاف الأنواع من البكتيريا والجراثيم.

ولقد توصلوا الى الإستنتاج هذا بعد مراقبة 21 زوجاً وهم يقبلون بعضهم بعضاً، نحو 9 مرات يومياً، وهؤلاء هم الأكثر عرضة لتناقل الميكروبات اللعابية. ولقد نُشرت الدراسة هذه في مجلة "مايكروبيوم".

• أهم ما يعلَق في اللسان...
ووجّه فريق البحث عدداً من الأسئلة إلى 21 زوجاً لتقييم عاداتهم في التقبيل، بما في ذلك عدد المرات التي مارسوا فيها التقبيل خلال العام الماضي، وآخر قبلة حميمة بينهما.

وأخذ الباحثون عيِّنات بكتيرية من ألسنة المتطوّعين في هذه الدراسة ولعابهم، قبل تقبيلهم لبعضهم البعض لمدة 10 ثوانٍ بالضبط، ثم قام أحدهم بتناول شراب محفّز للنشاط الميكروبي، يحتوي مزيجاً من الميكروبات التي يمكن تمييزها بسهولة.

وفي القبلة الثانية، كان بإمكان العلماء أن يتحققوا من عدد الميكروبات التي انتقلت إلى الشريك الآخر، بمعدل بلغ 80 مليون بكتيريا في قبلة واحدة استمرت 10 ثوان.

وصرّح البرفوسور ريمكو كورت، الذي ترأس فريق الباحثين، أنّ "القبلة الفرنسية تُعتبر مثالية وبامتياز للتعرُّض لعدد هائل من البكتيريا خلال فترة قياسية". ولحسن الحظ، أنه أوضح أنّ عدداً قليلاً من البكتيريا التي تنتقل عن طريق التقبيل، يعلَق باللسان.

وتقول الدراسات إنّ الفم يحتوي على ما يزيد عن 700 نوع مختلف من البكتيريا، إلّا أنّ التقرير يكشف عن أنّ أنواعاً منها تنتقل بطريقة أسهل من أنواع أخرى.

د. بشارة
بالنسبة للدكتور شادي بشارة الإختصاصي في الأمراض الجرثومية، القبلة على الخد لا تُعتبر ناقلة للجراثيم ولا الميكروبات. بَيْد أنّ القبل الفموية ولا سيما الفرنسية French Kiss، فتنقل الكثير من الميكروبات ولعلّ أشدّها تأثيراً، هي الوحيدات العدائية أو داء وحيدات النواة الخمجية Infectious Mononucleosis، المنتقلة من شخص لآخر عبر إفرازات الفم واللعاب، وهو داء خمجي معد فيروسي منتشر يسببه فيروس إبشتاين-بارEpstein Barr Virus. ويُعتبر الإبشتاين-بار، من أهمّ الفيروسات الهربسية والذي تتعرض للإصابة به، نسبة كبيرة من ممارسي فن التقبيل المنظّم أو العشوائي.

"تكتيك" انتقال الفيروس
وعن كيفية حدوث العدوى، أشار د. بشارة الى أنّ الإصابة بفيروس إيبشتاين ـ بار تحدث في كلّ أنحاء العالم، ويُصاب به معظمُ الناس في مرحلة ما من مراحل حياتهم.

وقد يُصاب الأطفال بفيروس إيبشتاين ـ بار أحياناً، وقد لا تُسبِّب هذه العدوى أعراضاً لهم، أو يكون من الصعب تمييزُها عن الأمراض الأخرى الخفيفة والقصيرة الأمد التي تحدث في مرحلة الطفولة. علماً أنّ عدداً كبيراً من ممارسي فن التقبيل الفرنسي، سواءٌ في فرنسا أو الولايات المتحدة وغيرهما من البلدان المُتقدِّمة، لم يتعرَّضوا للعدوى بفيروس إيبشتاين ـ بار في مرحلة الطفولة.

لذلك، عندما يُصاب البالغون بالعدوى بهذا الفيروس، فإنَّهم يصبحون مُعرَّضين بنسبة لا بأس بها للإصابة بداء وحيدات النواة الخمجية Infectious Mononucleosis والذي يؤدِّي إلى ظهور أعراض، مثل الحمَّى والتهاب الحلق وتورُّم الغدد اللمفاويَّة وطبعاً هناك مَن لا يتأثرون به ولا تظهر أعراضه عليهم نظراً لنظام مناعتهم الصلب ولكنهم ينقلونه للآخرين.

فإذا كان جهاز مناعة الشخص الذي «استلم» فيروس إيبشتاين ـ بار Epstein Barr Virus، ضعيفاً لا بد وان يعاني من اعراضه السلبية، وقد يُصبح كبده وطحاله متورِّمين أو مُتضخِّمين في بعض الأحيان أيضاً.

وقد يُسبِّب داء وحيدات النواة الخمجية Infectious Mononucleosis، في حالاتٍ نادرة جداً، مشكلات في القلب والجهاز العصبي المركزي. ولكنَّ هذه التوعكات، في معظم الحالات ليست خطيرة.

تأثيره على الحمل
يوضح الدكتور بشارة، ان فيروس إيبشتاين ـ بار، لا يسبِّب مشكلات صحية سلبية أثناء الحمل، كالإجهاض أو حدوث التشوُّهات الخلقيَّة. وتستطيع الحامل تبادل القبل مع زوجها من دون الخوف طبعاً عليها تجنب ذلك في حال كان مصاباً بالرشح او السعال.

وعلى الرغم من أنَّ أعراض الإصابة بداء وحيدات النواة تختفي غالباً خلال شهر أو شهرين، فإنَّ فيروس إيبشتاين ـ بار يبقى هاجعاً أو مُختفياً في البلعوم أو خلايا الدم طوال ما تبقَّى من حياة الشخص المُصاب. ويصبح فيروس إيبشتاين ـ بار نشيطاً من حين إلى آخر.

ويمكن العثورُ على الفيروس في لُعاب الشخص الذي تعرَّض للعدوى. علماً أنّ انتقال العدوى بفيروس إيبشتاين ـ بار يحتاج إلى الإحتكاك بلُعاب شخص مُصاب، لذلك يُسمَّى داء الوحيدات "مرض التقبيل" Maladie du baiser أيضاً.

الأعراض
تحتاج أعراضُ الإصابة بداء وحيدات النواة الخمجية Infectious Mononucleosis كي تظهرَ من أربعة إلى ستَّة أسابيع بعد التعرُّض للعدوى. وقد يبقى المرضى المُصابون بداء الوحيدات قادرين على نقل العدوى إلى الآخرين لأسابيع عدَّة.

لا يُنصح بأيَّة إجراءات احتياطيَّة أو عزل للمرضى المصابين بداء الوحيدات، لأنَّ الناس الأصحَّاء في معظمهم لديهم فيروس إيبشتاين ـ بار في لُعابهم غالباً. وينشرونه في فترات مُنتظمة على امتداد حياتهم. ولهذا السبب، فإنَّ من شبه المستحيل حماية الآخرين من التقاط العدوى.

تعليقات